تمهيد
التهاب المفاصل الروماتويدي هو أكثر أمراض الروماتيزم الإلتهابي انتشارا، وقد يؤدي في حالة إهماله إلى تآكل المفاصل وإلى تشوهات وإعاقة كبيرة. وينتج عن هذا كله عواقب بالغة على عدة مستويات منها الفردي والعائلي وكذلك المجتمعي والاقتصادي.
وقد تمكن العلم الحديث في السنوات الأخيرة من اكتشافات هامة في ميدان تشخيص وعلاج هذا المرض.
والجمعية المغربية لأمراض الروماتيزم مواكبة لها لهذا التطور، أصدرت توصيات حديثة (2014) تحث على عدة نقط من بينها :
1- أن المؤهل الأول لتشخيص وعلاج هذا المرض هو طبيب الروماتيزم.
2- ضرورة التشخيص المبكر للمرض ارتكازا على الوسائل الحديثة في هذا الميدان.
3- ضرورة اللجوء إلى العلاج الفعال والمبكر وإلى المراقبة الصارمة للعلاج.
4- جعل الهدف الأسمى من العلاج هو التحكم الكامل في المرض والوصول إلى حالة الهدأة (الخمود) التي تتميز باختفاء كل أعراض المرض.
ويجب الإشارة إلى أن الأدوية الحديثة جد فعالة وخصوصا إذا ما استعملت في بداية المرض إلا أنها باهضة التكلفة وذلك يشكل عائقا كبيرا في استعمالها.
وقد أدركت وزارة الصحة هذه الإشكالية فأدرجت مؤخرا (يونيو 2015) التهاب المفاصل الروماتويدي من بين الأمراض المزمنة التي أولتها كل ما تستحقه من دعم للتحكم فيها والتخفيف من وطأتها.
تعريف المرض
هو روماتيزم التهابي ينتج عن التهاب بطانة المفاصل مما يؤدي إلى تكاثر مفرض في خلايا هذه البطانة وتورمها وإلى إفراز كثير للسائل المفصلي وللأنزيمات الضارة للمفاصل. وقد ينتشر هذا الإلتهاب إلى الأجهزة المجاورة مثل أوتار العضلات والأربطة المحيطة بالمفاصل. وفي بعض الأحيان يؤدي إلى إتلاف العظام والغضاريف وتشوهات مفصلية.
كيف يحدث هذا الإلتهاب
يحدث هذا الالتهاب على اثر اختلالات في جهاز المناعة. فالمعروف أن للجسم جهازا دفاعيا يستعمله ضد أي غزو خارجي يصل إليه في صورة مادة غريبة، وهذا الجهاز الدفاعي جد متطور بحيث يستطيع أن يفرق بين كل ما هو من الجسم فلا يحاربه، وكل ما هو غريب عن الجسم فيهاجمه. وعند المرضى المصابين بالتهاب المفاصل الروماتويدي يحدث إختلال في هذا الجهاز، فينتج عنه مهاجمة بطانة المفاصل كأنها أجهزة غريبة عن الجسم. وهذا الإختلال لا يظهر إلا إذا توفرت بعض العوامل المعرضة للمرض.
ما هي العوامل المعرضة للمرض؟ وهل للوراثة دور فيها ؟
نعم هناك ارتباط بالوراثة أو بعبارة أصح ارتباط ببعض المكونات الجينية. فمنذ القديم كان الأطباء يلاحظون أن التهاب المفاصل الروماتويدي ينتشر في المحيط العائلي للمريض أكثر من غيره، وفي السنوات الأخيرة تم العثور على بعض المكونات الجينية التي يمكن أن تعتبرها عاملا معرضا للمرض، ولكن يجب تواجد عوامل أخرى لضهور المرض، وهذه العوامل ترتبط ببعض الهرمونات في الجسم وكذلك بالبيئة المحيطة بنا, مثل تأثير بعض الجراثيم وتأثير النظام الغذائي والتدخين ووجود بعض الإنتكاسات النفسية وغيرها. فلا يمكن للمرض أن يظهر الا بتواجد عدة عوامل ولذلك نسميه مرض متعدد العوامل « maladie poly factorielle »
ما هي نسبة انتشار هذا المرض ومن هم الأشخاص المعرضون له ؟
هذا المرض ينتشر في جميع بقاع العالم وفي المغرب قد يصيب 0,5 إلى 1% من مجموع السكان تقريبا. وعادة ما يظهر بين سن الخامسة والثلاثين والخامسة والخمسين وفي هذه المرحلة يصيب النساء بصفة خاصة بنسبة أربعة نساء لرجل واحد. ولكن يمكن أن يظهر بعد سن الستين كما يمكن أن يصيب الصغار في سن الطفولة.
هل فيه أنواع متفاوتة الخطورة ؟
نعم, هناك حالات بسيطة تكاد تمر بدون عواقب إذا ما عولجت بعناية. وهناك حالات متوسطة الخطورة وهي الأكثر انتشارا. وهناك حالات خطيرة تؤدي عند إهمالها إلى تشوهات مفصلية وإلى إعاقات بالغة.
ما هي أعراض المرض الرئيسية ؟
يتميز هذا المرض بإصابة مفاصل متعددة في الجسم وهو يصيب بصفة خاصة مفاصل اليدين والرجلين، وتكون الإصابة متشابهة في الطرف الأيمن والطرف الأيسر. وقد ينتشر المرض بطريقة مزمنة فيتفاقم تدريجيا. كما يمكن أن يبدأ بفترة انتكاس ينشط فيها المرض « période de poussée » وتليها فترة هدوء يخمد خلالها المرض « période de rémission » حتى يضن المريض أنه قد شفي من مرضه ثم تعاوده من جديد فترة انتكاس ثم فترة هدوء وهكذا. وخلال الفترات التي ينشط فيها المرض يشعر المريض بآلام في مفاصله، وهذه الآلام تزداد بالخصوص في الليل وتتسبب في إيقاظ المريض مرات متعددة وفي الصباح تكون المفاصل المصابة متيبسة بحيث يجد المريض صعوبة في تحريكها وذلك لفترة تزيد على نصف ساعة. وهذه الآلام قد تكون مصحوبة بانتفاخ وارتفاع في حرارة المفصل.
وفي بعض الأحيان يتفاقم الإلتهاب المسبب للمرض فينتشر من بطانة المفصل إلى ما حولها فتتآكل العظام والغضاريف وتلتهب الأربطة والأوتار مما يؤدي في الأخير إلى تشوهات في المفاصل المصابة.
هل للمرض أعراض عامة ؟ وهل يصيب أجهزة أخرى غير المفاصل ؟
قد يشعر المريض في بداية المرض بأعراض عامة مثل فقدان الشهية ونقص في الوزن والتعب السريع والإرهاق وهذه الأعراض قد تعاوده في بعض الأحيان وبالخصوص في الفترات التي ينشط فيها المرض، كما يمكن للمرض أن يصيب أجهزة أخرى خارج الجهاز الحركي نذكر من بينها :
– وجود عقد تحت الجلد (العقد الرماتويدية ) التي تظهر خاصة بالقرب من المرفقين ويتراوح حجمها ما بين بعض الملمترات إلى عدة سنتمترات وتكون غير مؤلمة وقد تزداد في الحجم وتنقص حسب حدة نشاط المرض.
– الإصابة بجاف بعض الغدد، وخصوصا غدد اللعاب في الفم وغدد الدموع في العين. فتجفف الفم يؤدي إلى الشعور بعطش شديد ومستمر، مما يلزم المريض إلى شرب جرعات من الماء طول اليوم. أما جفاف العين فمصدره نقصان أو زوال الدموع مما يؤدي إلى مضايقات مثل الشعور بحبيبات رملية داخل العين والتهابات للأنسجة الداخلية للعين.
– هناك أعضاء أخرى يمكن أن تصاب بالمرض نذكر من بينها القلب والرئتين والكليتين والجهاز اللمفاوي..
ما هي وسائل التشخيص
في البداية قد يكون من الصعب تشخيص المرض بصفة دقيقة والتفريق بين مرض الروماتويد وبعض الأمراض الروماتيزمية الأخرى التي تتميز بالتهاب المفاصل. ولكن بعد بضعة أسابيع أو شهور تتحدد بعض ملامح المرض. والطبيب يرتكز في التشخيص على عدة وسائل من بينها المعطيات السريرة. لكون التهاب المفاصل الرماتويدي يتميز ببعض العلامات الخاصة به. كما يعتمد الطبيب على الفحوصات المختبرية وفيها التحليلات التي تثبت وجود التهاب داخل الجسم وتبين لنا حدة هذا الإلتهاب، كما فيها التحليلات التي تساعد على تشخيص المرض مثل عامل الروماتويد. الذي يوجد عند 80 في المائة من المصابين بالمرض، وفيها كذلك تحليلات أخرى متطورة مثل الأجسام المضادة للسيترولين والتي تساعد على التمييز بين التهاب المفاصل الرماتويدي وغيره.
ويلجأ الطبيب كذلك إلى الفحوصات بالأشعة التي توضح بدقة تآكل العظام والغضاريف وتبين مراحل تطور المرض. كما يمكن الإستعانة في التشخيص بالفحص بالصدى Echographie.الذي عرف تطورا كبيرا في السنوات الاخيرة والذي يوضح لنا بامتياز عدد المفاصل المصابة ومدى حدة الالتهابها.
العـــــــــــــلاج
يتوفر الطب الحديث على عدة أسلحة لمواجهة هذا المرض فهناك العلاج الدوائي والعلاج الطبيعي والعلاج الجراحي.
1- العـــــــلاج الدوائـــــــــي
الأدوية المعالجة للألم وللإلتهاب
هذا العلاج يرتكز على أصناف مختلفة من العقاقير ومنها :
– الأدوية المسكنة للألم مثل البراسيتامول والكوديين والترامادول وغيرها.
– الأدوية المضادة للإلتهاب الغير المحتوية على الكورتيزون وهي مجموعات متعددة ويختلف تأثيرها من مريض للآخر. إلا أن لهذه الأدوية أعراض جانبية متفاوتة الخطورة من أهمها قرحة المعدة والنزيف الدموي في الجهاز الهضمي والقصور الكلوي والتأثير على شرايين الجسم. وهذه الأعراض الجانبية تكثر نسبتها عند المرضى المسنين وعند المصابين بأمراض أخرى كما أن هناك تفاعلات سلبية بين هذه الأدوية وأدوية أخرى ولذلك يجب تناولها بوصفة الطبيب وتحت مراقبته.
– الأدوية المضادة للإلتهاب المشتقة من الكورتيزون وهي عقاقير جد فعالة بحيث يشعر المريض بعد تناولها براحة كبيرة. إلا أن لها أعراض جانبية كثيرة من بينها ترقق العظام، وارتفاع نسبة السكر في الدم، وارتفاع الضغط الدموي، وكذلك الزيادة في الوزن وتقلبات المزاج وضعف عضلات الأطراف وغيرها. كما يجب التنبيه إلى الخطر في حالة التوقف المفاجئ لإستعمالها. وعليه فهذه العقاقير لكي نستفيد من كل إيجابيتها ونقلل من مضاعفاتها يجب أن تستعمل تحت المراقبة الطبية الدقيقة.
– ومن بين مشتقات الكورتيزون هناك ما يعطى عن طريق الحقن الموضعية « infiltration locale » وهذه الطريقة قد تكون في بعض الأحيان جد نافعة وبدون ضرر.
الأدوية المعدلة للمرض :
إلى جانب هذه الأدوية المسكنة والمضادة للإلتهاب هناك ما يسمى بالأدوية المعدلة للمرض وهي أدوية بطيئة المفعول بحيث لا يظهر نفعها إلا بعد بضعة اسابيع كما أنها فعالة وتساعد على التصدي لإنتشار المرض. من بينها نذكر :
مشتقات الكلوروكين والسولفسالازين والميثوتركسات والليفلوناميد. كما أن التطور العلمي أمدنا بعقاقير جديدة تدعى بالعلاجات الحيوية. وهي أدوية جد فعالة تمكننا في بعض الحالات من القضاء على المرض أو الحد من مضاعفاته« les biothérapies ».نذكر من بينها الأنفليكسيماب « l’infliximab » و الايتانيرسيبت « l’etanercept »والأداليموماب « adalimumab »و توسيليزوماب« tocilizumab »و ريتوكسيماب « le rituximab »
2- العــــــــــــلاج الطبيعـــــــــــــي
للعلاج الطبيعي عدة أهداف نذكر من بينها التخفيف من الضغوطات التي ترهق المفاصل المريضة، وذلك باستعمال الجبائر أثناء الفترات التي ينشط فيها المرض و هذه الجبائر عادة ما توضع في الليل حول المفاصل الملتهبة. كما يمكن استعمال بعض الأدوات التي تعين المريض على القيام ببعض الأعمال اليومية. ومن أهداف العلاج الطبيعي كذلك الحفاظ على وظيفة المفاصل والمساعدة على تقوية العضلات التي تضعف بسبب المرض. كما يلقن المعالج للمريض أحسن الطرق لوقاية المفاصل من الإتلاف.
3- العــــــــلاج الجراحـــــــــي
عرفت جراحة الروماتيزم تطورا مهما موازاة مع التقدم الذي عرفه العلاج الدوائي. وللعلاج الجراحي أهداف متعددة منها :
1- استئصال بطانة المفصل الملتهبة والمتورمة إذا لم تنفع معها العقاقير.
2- ترميم الأوتار والأربطة في الحالات المتقدمة بهدف تخفيف الألم واستعادة القدرة على الحركة
3- استبدال المفاصل المريضة بمفاصل اصطناعية مثل مفاصل الركبة و الفخد والكتف
ويمكن القول أن اللجوء الى هذه الحلول الجراحية أصبح في تراجع ملموس بفضل نجاعة الأدوية الحديثة.
هل هناك أشياء أخرى يمكن للمصابين بمرض الرماتويد الإستفادة منها ؟
نعم هناك أشياء أخرى لها تأثير كبير على المرض ونتيجة علاجه ويمكن أن نلخصها في نقطتين:
النقطة الأولى :
تهم التربية الصحية للمريض:
من المفيد جدا أن يكون المريض على علم تام بمرضه وبطرق علاجه, وأن يصبح عنصرا فعالا في اتخاد القرارات في مختلف مراحل المرض. وهذا التفاعل الاجابي للمريض له آثار حسنة على سيرورة المرض
النقطة الثانية :
تخص الجمعيات التي تضم المرضى المصابين بالتهاب المفاصل الرماتويدي ودورها الإيجابي والهدف منها هو توعية المرضى بمرضهم ومساعدتهم على مسايرة العلاج وتحمل المرض والتغلب عليه.
كلمة ختامية
على المرضى المصابين بالتهاب المفاصل الرماتويدي أن يعلموا أننا اليوم وبفضل التقدم العلمي السريع أصبحنا نتحكم أكثر في هذا المرض كما في غيره من أمراض الروماتيزم، شريطة أن يكون التشخيص مبكرا وأن يلتزم المريض بكل التعليمات والنصائح التي يوجهها الطبيب المختص في هذا الميدان.